Tuesday, June 14, 2005

 

تعلم اللغة بين الترغيب والترهيب

(مقال كتبته من حوالي 7 سنوات)

حارت الأم المستجدة في أمر ابنها ذي العام الواحد والذي كان دائم الصراخ بسبب وبدون سبب. حاولت الأم أن تحل هذه المشكلة لكن دون جدوى إلى أن هدتها إحدى الجارات العجائز إلى محاولة تعليم "اللغة" لهذا الطفل. فهل تعلم اللغة له من الأهمية بمكان تصل لتلك الدرجة الجوهرية؟

لقد أثبت علماء اللغة (وإن لم يجمعوا) على أن اللغة اختراع بشري، وهو ما كان فقهاء اللغة يطلقون عليه قديماً مبحث "الاصطلاح والتوقيف". وإذا كانت اللغة اختراعا، فإن الحاجة هي أم الاختراع، أي أن الإنسان لن يتعلم اللغة إلا إذا دعته الحاجة إلى ذلك، فذلك الطفل المزعج تعلم اللغة حتى يمكنه أن "يتواصل" مع أمه ومن ثمَّ مع البيئة المحيطة. وغالباً ما تكون الكلمات الأولى للطفل بعد مرحلة "بابا وماما" – أن لم تتزامن معها – كلمات دالة على الحاجات الأساسية للإنسان مثل الطعام والشراب وقضاء الحاجة، الخ.

وقد يتوهم البعض أن تعلم اللغة من السهولة واليسر بشكل يجعل متعلم اللغة لا يحتاج لتعلم اللغة والدربة على نطق أصواتها والإلمام بنحوها وصرفها والغوص في معانيها ودلالاتها وإيحاءات كلماتها وجملها واكتناه خباياها وإتقان أساليبها وتعبيراتها – لا يحتاج في كل هذا إلى عصا سحرية تمكنه من كل هذا وذاك بين غمضة عين وانتباهتها!

وكما هو معروف لدى القدماء من فقهاء اللغة العرب ولدى أصحاب النظرية الأدبية في الغرب سواء لدى الشكليين الروس وحلقة براغ أو لدى البنويين ومن بعدهم إلى التفكيكيين أن اللغة ذات شأن خطير، وإن كان تعلمها يبدو سهلاً ميسراً بالنسبة للطفل (تعلم اللغة الأم)، فإن هذا القدر من السهولة يعد مثاراً للحسد أو الغبطة على أقل تقدير بالنسبة لتعلم اللغة الثانية.

وقد جرت العادة منذ بدأ الاهتمام بتعلم اللغة على أسلوبين للحصول على النتيجة المرجوة هما أسلوب الترغيب أو ما يسمى في علم النفس بالثواب، والترهيب (وليس الإرهاب) أو ما يطلق عليه العقاب.

أما الترغيب فهو استمالة الطفل نحو تعلم اللغة أو بمعنى أوضح "اللغة" نفسها حيث يتعلم الطفل أو البالغ اللغة الأجنبية من حيث لا يدري ولا يعلم وذلك "بتعريضه" للغة عن طريق سماع تسجيلات بتلك اللغة (تسجيلات تُمارَس فيها اللغة بشكل طبيعي وليست تسجيلات تعليمية) أو مشاهدة أفلام أجنبية بتلك اللغة المراد تعلمها، بذلك يتعلم الطفل أو البالغ اللغة دون أن يدري أنه في حلقة درس. لكن رغم ما في هذه الوسيلة من عوامل نجاح، فإن أثرها يمتد لمهارتين فقط من مهارات اللغة وهما السماع والنطق (وإن كانت الأخيرة لا تصقل إلا بالمران المتواصل والتواصل الاجتماعي بتلك اللغة).

ويأتي مشايعو الحل الآخر وهو الترهيب أي فرض عقوبات على متعلم اللغة (وهو بالطبع الطفل في هذه الحالة!) مثل منعه من مشاهدة الحلقات المفضلة لديه في التلفزيون أو حرمانه من النزهة إذا لم يقم بحفظ كذا وكذا من قوائم المفردات وقام بحل كذا وكذا تمريناً من تمارين الصرف والنحو. إلا أن هذا الأسلوب وإن آتى ثماره لدى القليل من الأطفال الطيعين، فإنه لن يؤتي أكله مع الكثير من الأشقياء ممن هم في سني الطفولة، هذا بالإضافة إلى صعوبة – إن لم يكن استحالة – تعلم المهارتين السابق الإشارة إليهما وهما السماع والنطق واقتصار تعلم اللغة – كما يحدث وبكل أسف في مدارسنا وجامعاتنا – على مهارتي القراءة والكتابة كأن غاية طموح متعلم اللغة أن يحصل على لقب "باش كاتب" بلغة أجنبية!

إن متعلم اللغة غالباً ما يقع كما يقول التعبير الإنجليزي بين "سكيلا وكاربيديس" (وهما وحشان في الأساطير الإغريقية) أو كما يقول الشعبيون بين "حانا" و"مانا" أو كما يقول المتخصصون في اللغة بين أسلوب الترغيب وأسلوب الترهيب. والرأي أن كلا الأسلوبين – الثواب والعقاب – ضروري لتحقيق النتيجة المرجوة، فتعلم اللغة دون اتقان مهاراتها الأربع (السماع – النطق – القراءة – الكتابة) أمر لا طائل من تحته. فمتى نرى مدرسين اللغة واعين بهذا الأمر ولا نجد انقساماً كانقسام الأحزاب بين رافعي شعار "لا صوت يعلو فوق صوت الكاسيت" وأصحاب شعار "العصا لمن عصا"؟!



Comments:
أتفق معك فى ضرورة إستخدام كلا الأسلوبين

فهذا مبدأ

ولكن الأهم بعد الإتفاق على المبدأ هو "كيقية" الترغيب والترهيب

فالكيفية دائما ما تفسد المبدأ إذا كانت كيفية مستبدة

كما أن تحديد الكيفيات يأخذ مساحة واسعة جدا من الإختلاف
 
لي رأي فيما يتعلق بتعلم اللغة الأجنبية (بصفتي متخصصا) وهو أن تعلم اللغة الثانية لا يختلف عن تعلم اللغة الأولى (الأم). فمثلا الطفل يتعلم اللغة من (أمه - على سبيل المثال) عن طريق السماع ثم يأخذ وقته حتى يتعلم "النطق" الصحيح ثم يذهب للمدرسة لتعلم "القراءة" و"الكتابة"، ومن هذا نجد أن مهارات اللغة من الأسهل إلى الأصعب كما يلي: السماع - النطق/الكلام - القراءة - الكتابة.

يمكن بسهولة تطبيق نفس "المبدأ" على تعليم اللغة الأجنبية.

اتفق معك في اتساع مساحة "الاختلاف" بالنسبة لكيفية تطبيق مبدأ الترغيب والترهيب، لكن ظني أن المبدأ حاكم مهما اتسعت مساحة الاختلاف.
 
Chaos, you touched on one of the major issues in linguistics, that is competence and performance (these two concepts are attributed to the notorious US linguist Noam Chomsky) even though they were discussed rather differently by Ferdinand De Saussure (the father of modern linguistics).

As for first-language acquistion, one tends to practice language through 'competence', so we as Arabs don't seem to 'think' when we speak or write. Antithetical to this is the concept of 'performance', which is applied to second-language acquistion, and this means that you tend to 'think' (or 'perform') while speaking, reading, writing a given 'second' language (like English in our case).

As for your question, sometimes a second language learner bridges the gap between competence and performance so that the demarcation line between them is hardly discernible. You know I used to dream in English (but that was during a certain period) when I was periodically exposed to natively spoken English!

NB. Any language has 'four' skills: listening, speaking, reading and writing (Any TOEFL exam is designed accordingly). Each two of the above skills are paired, meaning that unless you can 'listen' well, you won't be able to 'speak' well, the same applies to reading and writing.

Writing is regarded as the most developed level in language acquisition (both first and second). Therefore, writers of literary texts are taken as acquiring the most sophisticated skill in the language of their writing (that's why literature is/should be taught for language learners in faculty-level education).
 
Post a Comment

<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?