Saturday, April 30, 2005

 

أنت ها تمثل؟؟


بصراحة بقالي مدة كبيرة من ساعة ما قررت أبقى واحد من "مدوني" مصر وأنا بافكر في موضوع جيد لأكتبه. الكتابة – أحيانا – كالبغل الحرون الذي تريده أن يسير في اتجاه فيجنح بك في اتجاه آخر حسب "مزاجه". من الأفضل إذن أن تذعن للكتابة وشروطها التي تمليها عليك.

المهم جاءتني فكرة رائعة وهي الكتابة عن ظاهرة "التمثيل" في مجتمعنا المصري المعاصر. طبعا اللي هايقرا غالبا هايجي ف باله فكرة التمثيل في "التلفزيون" أو "السينما" أو أقله خالص "المسرح"! لكن أنا – على رأي محمد صبحي في مسرحية كارمن – عندي تصور تاني خاااالص!

في يوم عادي من أيام العمل طُلب مني الوقوف كمراقب (من مهام عملي كأكاديمي) على أحد الامتحانات التي تعقد للطلبة في هذا الوقت من العام. الساعة اقتربت من الثانية عشر والطلاب يراجعون حتى آخر لحظة (السلوك الطلابي النمطي) وطلبت من الطلاب تسليم أية مواد أو كتب أو محاضرات مكتوبة لي (سلوك المراقب النمطي أيضا). طلبت منهم – كالمعتاد - عدم الجلوس بجوار بعضهم البعض "على فكرة الدنيا مش برد أوي كده... اقعدوا بعيد عن بعض" أقولها بصوت سلطوي أتعمد رفعه عاليا. يردون بنفس الرد تقريبا الذي اسمعه من كل دفعة "أصل إحنا بنحب الدفا!"

حاولت طالبة – من الشاطرين – إبداء تجاوبها مع "السلطة" (المتمثلة فيّ بالطبع) وابتعدت عن أحد الطلاب المقربين إلي (والذي اعتبر ابتعاد الطالبة الشاطرة عنه بمثابة الخيانة!) فقال لها عندما قالت لي إنها سوف تلتزم بقواعد اللجنة (ومراقب) اللجنة.. "أنت ها تمثلي؟؟"

استوقفتني الكلمة كثيرا. هي من العبارات التي أصبحت "دارجة" اليوم بين الشباب. وتقال بنفس الصيغة (مع تعديلات طفيفة): "أنت هاتمثل؟ بلاش تمثيل والنبي يا عم! انتي هاتمثلي ياختي؟! الخ.
طيب ايه المقصود من هذا التعبير؟ التمثيل هنا يقصد به التظاهر بما ليس فيك. يعني ممكن نقول إنه نوع من النفاق المكشوف. ليس النفاق بالمعنى المتعارف عليه (في بلادنا) وهو تدبيج قصائد المديح التي لا تعني بالنسبة لقائلها شيئا، لكن المقصود – وهو المعنى الذي استوقفني بالفعل – هو "التظاهر" أو "المظهرية". للأسف التظاهر أو المظهرية أصبحت سمة سائدة في تشكيلة بألوان الطيف من العلاقات الاجتماعية: في الأسرة النووية والكبيرة، المدرسة، الجامعة، العمل، العلاقات العاطفية والزواج. هناك من "يتظاهرون" بالحب أو الاهتمام في العلاقات الغرامية.. هناك من يتظاهرون بأنهم ينحدرون من أصول تركية أو شركسية أو أنهم من الأشراف رغم أنهم في الحقيقة لا يقلون سوقية عن غجر درب شكمبة!! هناك من يتفاخر بأنه يأكل في مطعم (قصدي رستورا كذا) ويذهب إلى فندق كذا لقضاء الليل مع الأصدقاء والأحباب رغم أن جيبه يعاني من فلس شبه مزمن! في المدرسة والجامعة وصل الأمر إلى التفاخر بأخذ الدروس الخصوصية عن المدرسين "السوبرستارز" اللي الحصة بتاعتهم بالشيء الفلاني!!! طبعا حدث ولا حرج أن التمثيل في علاقات الخطبة والزواج (خاصة إذا كان زواج صالونات) "ده المحروس ابني طول عمره مريحني ولا عمره زعل حد فينا" رغم أنه قد يكون اسوأ واحد في الأسرة على الإطلاق! "دي بنتي ما تعرفش تنام غير لما تقرا في المصحف!" لتكتشف بعد ذلك أن تصرفات البنت لا تمت بصلة لهذا المصحف الذي تقضي الليل كله – كما تزعم الأم – في قراءته.

الحياة في مصر بقت كلها تمثيل في تمثيل في تمثيل...

وعلى حس كلمة التمثيل افتكرت فاصل من مسرحية سعدت بحضور عرضها وهي "جنينة الصنائع" من إخراج اللبناني روجيه عساف. يذكر الممثل البارع – في معرض حديثه عن طموح الممثل في الخروج من دائرة المخرج الديكتاتور - أن هناك (في واقعنا العربي) من "يمثلك" ومن "يمثل عليك" ومن "يمثل بك". فيا تري من يمثلنا، ومن يمثل علينا، ومن يمثل بنا؟ أم أن هؤلاء جميعا "تمثلوا" في شخص واحد؟



This page is powered by Blogger. Isn't yours?