Sunday, July 02, 2006
... وجه أميركا الأسود... وجه أميركا الجميل
المختارات الشعرية المترجمة الى العربية مباشرة من لغتها الأم (الانكليزية) تبقي القارئ طوال الوقت «في رفقة اللحم والدم»، بعبارة لانغستون هيوز (1902 – 1967) الشاعر والروائي الأميركي الزنجي الذي أصدر عدداً من الكتب الشعرية والروائية، وأصدر بالاشتراك مع أرنا بونتام مختارات من شعر الزنوج. وقام بتحرير مختارات أخرى. وقد اعتمد المترجم أحمد شافعي على هذين الكتابين اعتماداً كلياً في إعداد هذه المختارات، وصدرت في إطار المشروع القومي للترجمة عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر بعنوان: «وجه أميركا الأسود... وجه أميركا الجميل».
من الممكن التعامل مع قصائد هيوز باعتبارها نماذج مصفّاة للشعر الأفروأميركي، أي ذاك الشعر الذي يتمتع بحرارة خاصة وسمات رؤيوية وجسدية تميزه في مجمل الشعر الأميركي، لكون الذين كتبوه هم من الزنوج الأميركيين ذوي الأصول والجذور الافريقية من جهة، ولكونه ينطوي، على الأرجح على نبض إنساني ولوعة خاصة وحرارة وصراخ وابتهال للحرية، أكثر من مجمل الشعر الأميركي (الأبيض)... من حيث أن الجرح أسود والقهر أسود، والشعر أسود... إذن معبّر، خاص، حار وصارخ... ثم هو شعر حساس وعميق... فليس من باب المصادفة على سبيل المثال، أن حوالى نصف هؤلاء الشعراء نساء، يبدأون بفيليس ويتلي (1753 – 1785) الآتية من السنغال لتباع في بوسطن العام 1761 لخياط غني اسمه جون ويتلي، وينتهون بالشاعرة نانسي ترافيس (1967...)، التي لا تزال على قيد الحياة.
ومن العنوان يلاحظ انحياز لهذا الوجه الأسود في الشعر الأميركي، فهو وجه أميركا (الجميل)، وكأن ذلك يضمر أن وجه أميركا الأبيض هو وجهها القبيح... علماً بأن مجمل الشعر الأسود، يتمتع بنبض إنساني عالٍ، ويخلو من أية عرقية أو عنصرية... إنه فقط يئنّ ويتوجع، ولكنه لا يحرّض ولا تجرفه جذوره أو زهوره الى مكان آخر في اللون كمظهر عنصري، خارج أميركا. يقول هيوز: «سمعت غناء المسيسيبي/ حين ذهب أبراهام لنكولن الى نيو أورليانز وصارت روحي عميقة كالأنهار». ويقول: «ضربتُ الى أن ملأتني الندوب والكدمات، لكنني لا أبالي/ فما زلت هنا». «أنا الأخ الأسود/ أنا أيضاً أميركا». أما الحسرة (وليس العنصرية) فتنضح من قصيدة صغيرة بعنوان «حسرة أميركية»: «أنا الحسرة الأميركية/ الصخرة التي انكسر عليها، إصبع قدم الحرية/ أنا الخطيئة الكبرى/ التي اقترفتها منذ زمن بعيد/ مدينة جيمستاون».
والحال أن هذه القصائد المختارة للشعراء الأفارقة الأميركان، تستبطن أسئلة من نوع لماذا؟ هل هي محاولة للبحث عن هوية ووجود خاصين لجماعة وسمها لونها الأسود وأصلها الافريقي، بسمات خاصة من خلال عيشها المر والمعذب، المضطهد والمنقوص الإنسانية، هو المجتمع الأميركي... وانها سعت لتحفر وجهها وملامح هذا الوجه بالإزميل القاصي في الصخرة الأميركية (البيضاء)... وبالتالي هل هذه الأشعار هي بمثابة إزميل الحفّار في عملية التفرّد هذه؟
هل ثمة من صوت شعري أسود؟...
وهذا السؤال يستدعي بحثاً عن جذور وتاريخ أو سيرة سوداء صراعية للسود الوافدين الى العالم الجديد أو المحمولين إليه على قوارب التجارة بالعبيد، أو قوارب الاستغلال والعبودية في مزارع الأرض الجديدة أو العالم الجديد، ومن ثَمّ في مصانعه ومدنه... مثل نيويورك وبلتيمور وهارلم وسواها... في تجمعات سكنية يعزلون فيها كأنهم حيوانات أو كأنهم مرضى موبوءون، سواء في مزارع القنانة والعبودية في خدمة الأسياد البيض أو في أحياء قذرة وفقيرة في المدن الكبيرة... ويعاملون كأنهم «قذارة البشرية» أو كأنهم أغلاط الخليقة ونفاياتها.
ولعل معاناة السود في الولايات المتحدة الأميركية تعود الى البدايات التأسيسية لهذا العالم الجديد، فقد استقدموا بداية ومنذ مطلع القرن الثامن عشر، من البلدان الافريقية، ليعملوا في خدمة الانكليز البيض الأوائل، في مزارع فرجينيا، في زراعة وتصنيع التبغ خاصة، وفي مزارع الجنوب في شكل أخص، قبل أن يتفاقم عليهم الضغط والاضطهاد، ويلتحقوا بالشمال بسبب ضغوط الحرب الأهلية (بين الشمال والجنوب) والتحولات الاقتصادية الكبيرة (من التجارة الى الصناعة) وهجرة اليد العاملة بسبب أزمة 1929 الاقتصادية.
من يطّلع على مسيرة الزنوج ونضالاتهم في سبيل الحرية والمساواة، على الأرض الجديدة، منذ اقتلاعهم من جذورهم في افريقيا، حتى وصولهم الى أعلى المناصب السياسية والادارية والأكاديمية والفنية... في الولايات المتحدة الأميركية، يقع على ملحمة بشرية فريدة ورائعة، تمّ تسجيل فصولها في أعمال روائية وشعرية ومسرحية كثيرة، كما في قصائد حساسة ومؤثرة، ونقلت فصول من هذه الملحمة الى السينما، والى التلفزيون... مثل المسلسل التلفزيوني المعروف «الجذور» عن ملحمة النزوح من الأرض الأم أرض الجذور»أفريقيا» الى الأرض الجديدة.
ولم يتم وصول الزنوج في أميركا الى حقهم في الحرية والمساواة، ولم يحوزوا على حقوقهم المدنية من دون معاناة وصراع طويل، لا تزال آثار منه شاهدة حتى اليوم... إن التفرقة العنصرية والعبودية الكاملة للسود في الجنوب الأميركي مثلاً، كانت تفرقة مشرّعة تحرسها السلطات الحاكمة، وترسخها المحاكم. وثمة سجل أسود للمحاكم في هذه المسألة، إنها أصدرت أحكاماً قضائية تكرّس تقييد حقوق السود وتعزل مدارسهم ومحاكمهم عن مدارس ومحاكم البيض...
قرار المحكمة العليا في قضايا الحقوق المدنية العام 1883 – The civil rights cases – وتمّ قتل آلاف السود على يد البيض وحرق الكثير منهم من دون محاكمة، من دون أن يرفّ جفن لمحاكم الجنوب... ولا تبعد أحكام مبكّرة للمحكمة العليا في الشمال، عن مثل هذه المواقف، على رغم ان معاناة السود في الشمال أقل حدة نظراً للحاجة الاقتصادية اليهم. ان الاضطهاد والقهر المتواصلين على السود أديا الى تشكيل تكتلات سياسية وفنية لهم، تطالب بحقوقهم الانسانية في الحرية والمساواة في مجتمع قاس وقاهر.
لقد قاموا بإصدار مجلات وصحف خاصة بهم، وقام الملحنون والعازفون بدمج الموسيقى الغربية بالأشكال والايقاعات الموسيقية الأفريقية، مما أدى الى ظهور موسيقى الجاز على سبيل المثال. وتشكل ما يمكن أن نسميه «الوعي الأسود» في عشرينات القرن العشرين. وتتابع تفتح هذا الوعي بعد الحرب العالمية الثانية، وتمّ التركيز على المساواة في التعليم، والحقوق المدنية وألغيت قوانين التفرقة في المقاهي والمطاعم والأوتوبيسات... وبدأ ذلك في مونتغمري بألاباما في شهر كانون الأول (ديسمبر) العام 1955 عندما رفضت سيدة سوداء تدعى روزا باركس Rosa Parks أن تتنازل عن الكرسي الذي كانت تجلس عليه في أحد الأوتوبيسات لرجل أبيض ما أدى الى اعتقالها، فقام مارتن لوثر كينغ بتزعم السود المقيمين في المدينة وقاطعوا الأوتوبيسات لما يزيد على سنة بأكملها، الى أن قضت محكمة دستورية فيديرالية بعدم صحة قوانين التفرقة في الأوتوبيسات في ألاباما...
صحيح أنه تمّ اغتيال مارتن لوثر كينغ العام 1968 في مدينة ممفيس في ولاية تينيسي، إلا أن كرة الثلج السوداء أخذت تتضخم وتتدحرج، وأنتجت زعامات لتكتلات طلابية تزعمها ستوكلي كارمايكل واعتنق بعض الزعماء الإسلام مثل مالكولم إكس... وبدأت الكتلة السوداء تفرض حضورها وحقوقها في المجتمع الأميركي...
وقد رافق الوصول الى نقاط ومناطق في التحرر قصائد وروايات وأشكال اخرى تعبيرية أهمها الرقص، كما تم تأليف حركات فنية وسياسية، أبرزها حركة نهضة هارلم وهي من أهم الحركات التي مرّ بها الشعر الأفروأميركي في القرن العشرين.
وتمّ تأسيس مجلات أدبية مثل مجلة أوبرتيونيتي (الفرصة) لنشر الأعمال الشعرية والنثرية لرواد نهضة هارلم أمثال لانغستون هيوز وكاونتي كالين وكلود ماكاي (1890 – 1948) وبدأت دور النشر في نيويورك بالبحث عن الأصوات السوداء الجديدة ونشر قصائدهم ورواياتهم وقصصهم القصيرة.
يلاحظ أن الشعر الأسود أو الأدب الأسود في بداياته اصطبغ بصبغة دينية مسيحية واضحة. لقد فرّت الشاعرة فيليس ويتلي من الوثنية الأفريقية الى المسيحية (الأميركية) تقول في قصيدة بعنوان «عن إحضاري من أفريقيا الى أميركا»: «برحمة من الله/ جيء بي من أرضي الوثنية/ وتعلّمت روحي الجاهلة أن هنالك رباً ومخلّصاً...».
ثمة قدر قاس أخرج الشاعرة من أفريقيا... تشير اليه في قصائدها، إلا أنها تفرح بقدرها الجديد الذي رسمه الرب لها. هذا ما يراه جيمس ولدون جونسون أيضاً (1871 – 1938) في روايته الشعرية لعملية الخلق،،، فالمسحة الدينية المسيحية للخلاص، ترفّ بأجنحتها اللطيفة على قصائد كثيرة سوداء...
ثمة أيضاً نكهة طيبة ومرّة معاً للحرية، كقضية، كعمق، في أشعار الشعراء السود. يقول بول لورنس دنبار (1872 – 1906) في قصيدة بعنوان «تعاطف» المقطع المعبّر التالي: «أعرف ما يحسّ به الطائر في القفص/ لحظة تلمع الشمس على المنحدرات العالية/... أعرف لمَ يخفق الطائر في القفص/ الى ان يرى دمه الأحمر فوق القضبان القاسية».
لكن، ثمة أيضاً عناية خاصة بالحياة... بالجمال الأسود، بالمتعة. ليست أشعار الشعراء السود لوحات سوداوية ومعتمة وهي لا تكتفي بالحقد أو الشكوى أو الصراخ... ولكنها صرخات رائعة بمناداة الحياة والحب والمساواة... يظهر ذلك أكثر ما يظهر في شعر الشاعرات السوداوات (وما أكثرهن في المجموعة)... فالألم الأسمر لم يورق دموعاً ودماء وشكاوى فحسب، بل أورق وروداً ايضاً... ومكامن للجمال واللذة...
تقول ناعومي مادجت (1923 – ): «أيرضيك أن أخيط دموعي لآلئ لك لترتديها؟ ... لأتعقبنَّك عبر السنين/ ... لأتعقبنَّك عبر السماوات/ ... لأجدنّك لا تخف»...
وتكتب ماري إيفانز (1923 - ): «دلّلني وداعبني...».
أما سونيا سانشيز (1935 - ) (التي اعتنقت الإسلام) فتكتب قصائد جميلة في الجسد داعية للمتعة حتى آخر رمق: «هايكو: ... أريد أن أجعلك تقهقه/ وأنا أداعبك حتى الصباح». ومثلها غلوريا ويد جيلز (1938 - ) فقصائدها في الحب مختزلة، نفّاذة، حميمة: «في الليلة الفائتة/ مارسنا الحب كأن الآلهة/ أعلمتنا نحن فقط/ أن السماء ستسقط ونحن نائمان...».
وإيفريت هوغلاند يمتدح الجمال الأسود فيقول: «لا يهمني أن تكون شلالات نياغرا هي التي تهدر في شهوتك/ أو شلالات فيكتوريا/ أنتِ معاني الليل وتأويلاته/ هناك طاقة سوداء في ممارستك للحب/ نحن أسودان/ وأنت جميلة...».
وآخر ما تمكن ملاحظته في هذه المختارات من الشعر الأفروأميركي، هو أنه شعر الطاقة الإبداعية للشعراء السود في أميركا، في ما هم شعراء (وبشر) مقتلعون من جذورهم في أفريقيا، يعانون (لفترة طويلة من الزمن) معاناة النفي والغربة لا في الأرض الجديدة البيضاء وحدها، بل داخل جلودهم السوداء أيضاً... لذلك جاءت أشعارهم تحمل نوستالجيا حميمة وشفافة، كما تحمل طاقة كبيرة على الحب والتمتع بالحياة، واللهجة الاتهامية أو الشاكية بمرارة لأشعارهم، لم تدفعهم الى المناداة بالتفرّد اللوني وإقامة غيتو في الجلد الأسود في مواجهة غيتو الجلد الأبيض... بل كانوا يرددون مع هيوز «أنا أيضاً أميركا».
أوافقك على الرغبة أحيانا في تشريك الآخرين بالاستمتاع بنص ما، يأتي كاملا كما هو ودون نقصان أو حذف.. والشعر الذي تخلل هذا النص هو شعر جميل جدا، وتمنيت لو كان وفيرا أكثر.. مع الملاحظة بأنك نسيت ذكر مصدر المقال وصاحبه..
تحياتي
جُحَا.كُمْ
بطاطا: في إشاعة طلعت إن دكاترة أقسام اللغة الإنجليزية في الجامعة بيصححوا المقالات "بالكيلو" .. الإشاعة دي شكلها كده "صح" وممكن تسألي كلا من نور وإبيتاف!!!
جحا: أسعد دائما بتعليقاتك. لم أنس الإشارة إلى مصدر المقال حيث إنني جعلت من عنوان البوست رابطا للمقالة الأصلية. المقالة الأصلية وردت في موقع "دار الحياة" الالكتروني وهي بقلم محمد علي شمس الدين.
مودتي لك. وشكرا على الموضوع القيم
اولا انك اثرتنى بمعلومات شيقه جدا
ثانى حاجه وصلت لحاجه انا بحارب فيها من زمان وهى ان احنا منمشيش مع شعار مصر ام الدنيا
والبلد اللى مختلفين معاها فى موضوع معين مندوسش بقى على كل جوانب الحياه اللى فيها
عارف
ليا صديق اثناء البحث عن ابحاث علميه عن سيناء تجاهل اى بحث يهودى ولم يطلع عليه رغم ان الابحاث اللتى اجريت على سيناء فى خلال 6 سنوات اكثر ماتم عندنا حتى الان
لازم نعرف العالم كويس وندرسه كويس من كل جوانب الحياه علشان نعرف احنا فين
اخيرا شكرا انك مقطعتش من المقال حاجه بجد
معلش طولت عليك ولا صحيح معلش ليه ما انت برده طولت علينا هههههه
جبلاوي: أسعدتني بجد بتعليقك عن استفادتك من المقال ده، الفكرة أننا هنا في مصر مش بس بانقول "مصر أم الدنيا" لكن كمان لما نختلف مع دولة ما في موضوع ما، نحجم تماما عن دراسة البلد أو الثقافة دي. للأسف قليلون جدا من يعرفون حتى القليل عن التاريخ الأمريكي أو التاريخ العبري (في حالة إسرائيل) بل هناك من يشكك أساسا في جدوى الدراسة نفسها!! هناك يا سيدي الفاضل من دعا في الشرايط اياها إلى وكسة سودا اسمها "المقاطعة الفكرية" وممكن تعتبر التدوينة دي ردي عليهم!
معلش أديني طولت عليك اهو زي ما طولت عليا ومحدش احسن من حد هههههه
Best,
<< Home