Monday, September 18, 2006
الدكتور أحمد مستجير ... عاش من أجل الناس، ومات من أجلهم
عرفته منذ أغسطس 2004، عرفته كما عرفه كل الناس من قبل باحثاً وعالماً جليلاً وفذاً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ في حقل الهندسة الوراثية، الذي يكاد اسم الدكتور أحمد مستجير يكون هو الاسم المصري بل والعربي الوحيد المسموع عالمياً، وإن كان ما عزفه وظل يعزفه الدكتور مستجير قد شَنَّفَ آذان الكثير في ميدان العلوم متسارع الخطى.
قرأت عنه – كما قرأ الناس أيضاً – وشاهدته على شاشات التلفزيون كما شاهده الكثير من الناس الذين أحبهم من كل قلبه فأحبوه من كل قلوبهم. عرفت أنه كان محباً للأدب والفن – بل ومُنتِجاً له – قدر حبه للعلم وإبداعه فيه؛ حتى إنني لأدعوه بكل ثقة "أديب العلماء وعالم الأدباء" على غرار ما كان يطلق على أستاذنا الكبير الدكتور زكي نجيب محمود – الذي عرفه الدكتور مستجير أيضاً عن كثبٍ – وهو "أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء".
لكنني عرفته أيضاً – لحسن حظي – عن قربٍ صديقاً ومعلماً وقدوةً وإنساناً "جميلاً" بكل معاني الكلمة. للأسف، لم يتسنَ لكل الناس الذين عرفوه من خلال كتاباته وكتبه ودراساته وأحاديثه للصحافة والتلفزيون أن "يستمتعوا" بهذا "الجمال" الذي تمتع وسَعِدَ به كل من عرفه عن قرب!
كان للدكتور أحمد مستجير أيادٍ بيضاء على كل من عرفهم عن قربٍ، وكنت أنا من بين هؤلاء ... وهم كُثْرُ! كنت محظوظاً بما يكفي لأن يقرأ الدكتور مستجير أول مقال مترجم لي نُشِرَ بمجلة "وجهات نظر" ذائعة الصيت، بل ويطلب مقابلتي بمكتبه بكلية الزراعة بجامعة القاهرة.
أذكر ذلك اليوم جيداً .. أذكر أنني كنت مُوَزَّعاً بين مشاعر القلق والسعادة في آن واحد. كانت الساعة الثامنة والثلث صباحاً يوم كان اللقاء الأول بيني وبينه. قفزت إلى ذهني هذه العبارة حينما وصلت إلى مكتبه لأجده – رغم اجتهادي في الوصول مبكراً – قد وصل قبلي! "ياه ... الدكتور مستجير باين عليه بيصحى بدري اوي"! قابلني بابتسامة أقل ما يقال عنها إنها "رائعة" تدل على رجل "أروع". ظللنا نتجاذب أطراف الحديث لمدة ساعة كاملة – رغم مشاغله التي لا حصر لها – عن مشكلات الترجمة في مصر، ومشاكل المترجمين في وطننا، وتراجعنا النسبي مقابل تقدم المجلات والدوريات العربية التي "تجذب" المترجم المصري المتميز إليها.
لم يفتني أن أجول بنظري في أرجاء مكتبه المتواضع، الذي أضاف تواضعه – كمكتب لأستاذ جامعي في جامعة حكومية في مصر – إلى إنجاز هذا الرجل الأسطورة الذي قَدَّم إلى العالم إسهامات وإنجازات علمية وفكرية قلما نجدها اليوم في حياة معولمة فُرِضَ عليها منطق "البيزنس" والسوق فرضاً. قَدَّم العالم الجليل والإنسان الجميل الدكتور أحمد مستجير مثالاً نادراً وقدوة تحتذى للعالم والمفكر والمثقف الذي لم ينفصل – للحظة واحدة – عن الناس العاديين، عن مشاكلهم وهمومهم، آمالهم وتطلعاتهم في حياة أفضل، لقد عاش الدكتور مستجير – في اتصال منقطع النظير مع أسلافه من "المثقفين" المصريين "الحقيقيين" بدءاً بباعث النهضة المصرية الشيخ رفاعة ومروراً بالشيخ محمد عبده وعبد الله النديم وبيرم التونسي وأمل دنقل إلى الراحل أحمد عبد الله رزة – مع الناس، وبهم ومن أجلهم. حتى أن أبحاثه ودراساته ومحاضراته العلمية والأكاديمية – وعلى العكس من الكثير من العلميين والأكاديميين الذين يعيشون في أبراج عاجية – لم يكن يرى أن لها أي معنى بدون النفع المرجوّ تحقيقه "للناس"، فعلى سبيل المثال، جاء إسهامه الفكري والعلمي في تقديم مفهوم "اليوچينيا" للقارئ العربي – الذي كان فيه كما في غيره من المفاهيم صوتاً منفرداً يغرد في البرية – غير منفصل على الإطلاق عن حسٍ "وطني" راقٍ قلما نجده في يومنا هذا. إن العالم و"الإنسان" الذي يندد بالحرب الأمريكية الدائرة حتى الآن على العراق بقوله إنها "حرب يوچينية" لابد أنه مفكر مهمومٌ حتى النخاع بنا – نحن أبناء وطنه – لدرجة العشق.
أذكر في لقاء آخر معه في مكتبه أنه تحدث معي عن "حلمه" بتعميم تجربة معالجة الذرة وراثياً لإنتاج دقيق من الذرة يُصنع منه الخبز بنفس طعم دقيق القمح وجودته وقيمته الغذائية! لا تملك أنت في هذه الحالة إلا رفع حاجبيك تعبيراً عن الدهشة من عبقرية العالم وطيب قلب الإنسان ورؤية المثقف. نظرت إليه ولا زالت علامات الدهشة مرتسمة بوضوح على ملامحي وقلت: "لكن يا دكتور مستجير الموضوع ده هايكون ليه أعداء كتير اللي مصالحهم هتتعارض مع المشروع ده". نظر إليَّ نظرة لا يمكن أن أنساها ما حييت، نظرة تحمل الابتسامة الموقنة والواثقة بغدٍ أفضل لنا ولأبنائنا وأحفادنا، والتحدي الذي يمثله الواقع الذي لا يخلو من قبح، والسخرية من هؤلاء "الأعداء" المحتملين بل والمتوقعين الذين يريدون "لقمحهم" أن يظل دائماً خبزاً لنا بدلاً من "ذرتنا"!
ومن تواضع مكتبه أنتقل إلى تواضعه الجمِّ مع كل من عرفهم. لم أصدق أنني حينما اتصل بي الدكتور مستجير بنفسه ليبلغني أنه يقبل – بل ويرحب – بحضور مناقشة رسالة الماجستير الخاصة بي بكلية الألسن بجامعة عين شمس في ديسمبر 2004! حضر الدكتور مستجير في الموعد المحدد، بل وقبل الكثير مما هم أدنى منه علماً وقدراً. اختار أن يجلس في الصف الأخير، وظل يستمع باهتمام كبير إلى المناقشة التي دامت أكثر من ثلاث ساعات كاملة. سارعت لأشكره على تشريفه لي بالحضور، فابتسم ابتسامته الخجولة المعهودة ليناقشني في حيثيات المناقشة، وليبدي سعادته بالحضور ولم ينسَ أن يهنئني في النهاية بالحصول على الماجستير وعلى الأداء الذي أعجبه (لحسن حظي بالطبع)!
من المفارقات أن أحداً من الحضور لم يصدق أن الدكتور أحمد مستجير "المشهور" (الذي يعرفونه من خلال وسائل الإعلام المختلفة) حضر مناقشة الماجستير الخاصة بي بناء على طلب مني "فحسب" ... جاء السؤال من أستاذتي المشرفة على الرسالة في اليوم التالي مشوباً بالدهشة معبراً عن لسان حال كل الحضور: "هوا الدكتور مستجير قريبك؟!"
أعلم علم اليقين أن الكثير – وأنا منهم – سيقول إن الدكتور أحمد مستجير قد استطاع أن يحفر اسمه بحروف من ذهب في كتاب التاريخ الأزلي الضخم، ذلك الكتاب الذي من عادته ودَيْدَنه أن يضنَّ علينا بصفحاته فلا يمنحها إلا لمن يستحق، لكنني سأزيد عليهم بقولي إنه استطاع أيضاً أن يحفر اسمه بحروف من نورٍ في قلوبنا ووجداننا وعقولنا. أقول إن الإنجاز الحقيقي للدكتور أحمد مستجير هو حياته نفسها، حياته التي عاشها ملحمة سُطِّرت فيها البطولات اليومية من أجل الناس، حتى أن وفاته نفسها جاءت – أيضاً – من أجلهم.
نشر هذا المقال بمجلة "سطور" - عدد سبتمبر 2006.
رحمة الله على هذا العالم الجليل الذى لم يأخذ حقه على قدر علمه
نعم لم يشأ لى الحظ ان اعرفه عن قرب لكن اسمه فى مجال علم الوراثة والهندسة الوراثية كان اقوى من ان يمر مرور الكرام على اذاننا
اسمه فى مجال الشعر والادب واسمه فى مجال الترجمة
ابحاثه الثرية فى التحسين الوراثى وغيرها تأبى الا تكون غير ركيزة لكثير من تلاميذه
برغم الجوائز الكثيرة التى حصل عليها الا انى اراه لم يحظى بالقدر الذى يستحقه
شكرا لانك ذكرته وكنت من وضع هالة نور على رأسه لتذكرنا به
تحياتى
I am out of words
May he rest in peace!!
رحمه الله
he's a treasure that his knowlege, good deeds, friends who remember him,,,will all live on!!
مش عارفة أقولك يا بختك أنه حالفك الحظ إنك تعرف إنسان عظيم زي الدكتور أحمد مستجير .. و لا أواسيك لفقدانك مثل أعلى شخصي كان بيقويك في رحلتك ؟؟ََ!!! تدوينة مؤثرة قوي يا علاء ... و انت قلت اللي كثير منا عايز يقوله .. ربنا يرحمه يا رب
رحم الله العالم احمد مستجير و اسكنه فسيح جناته
الأجمل انه ترك بداخلك هذا الأثر الذي من المؤكد - ان شاء الله - انك ستنقله لطلبتك بعد ذلك، وتصبح في حياتهم كما كان د.مستجير في حياتك .
رحمه الله فعلا
واملى نلاقى عن قريب حد فى نفس علمه و خلقه و حبه لوصنه
بى اس: المقالة معبرة قوى يا علاء كالمتوقع
:)
مررت بتجربة مشابهه لهذه التجربه
فكان دكتور اسمه احمد عبدالله
استاذ الجيولوجيا بهيئه المواد النوويه
عارف كان عزائى الوحيد لفقدانه
هو انى فقدت جسد بس
لكن نظرياته موجوده
تلامذته موجوده
مدرسته موجوده
دكتور احمد مستجير من الناس اللى فكرت للبلد وللناس من بعده وكان زاهد فى الدنيا
كان يحارب المرض ليس من اجله ولكن من اجل اكمال احلامه الخاصه بالاخرين
رحمه الله ورحم الله استاذى دكتور احمد عبدالله
تحياتى
إبيتاف: زكاة العلم العمل به كما يقول الحديث الشريف وأعتقد أن الدكتور مستجير رحمه الله عمل بهذا الحديث جيدا..
جار القمر: غفر له "ربه" ولنا جميعا :))
ديدو: يبدو أن الصراع لم يحسم بعد بين مشاعري في هذا الشأن .. هل أحسد نفسي على معرفتي به أم أواسيها على فقدانه؟!! على أية حال إنه لم يمت كما قالت إبيتاف فهو ما زال "حيا" في وجداننا وفي أعمالنا ما دام فينا عرق ينبض بحياة!
أونلاين إني تايم: لأ صدق! بل هو أكثر بكثير ما قالوا عنه. أنا شخصيا أتعلم كل يوم شيئا جديدا كلما قرأت له أو عنه!
مكسوفة: دا حقيقي ... وللأسف قياداتنا واضح انها مشغولة بحاجات تانية اهم بكتير من أنها تخلق "صف تاني" بعد رحيل هذه القمم المصرية!
كلبوزة بس سمبتيك: شكرا على المرور والتعليق في جديد ان شاء الله بس "اتكي ع الصبر"!!
عبده باشا: مش عارف اشكرك ازاي على تعليقك اللي أثر فيا بجد! انا فعلا باحاول اعمل كده وبالصدفة من يومين كان عندي طالب تخصص هندسة كمبوتر اتعين معيد جه يسلم عليا بصراحة كنت فخور بيه اوي وحسيت انه برده مش ناسي أيام الدراسة واللي اتعلمه مني (الحمد لله):))
لست: يا رب! ومتشكر اوي على الإطراء الذي ارجو ان استحق بعضا منه.
أجدع واحد في الشارع: ليه يابني كده بس!!!!
وليد: متشكر وكل عام وانت بخير ..
جبلاوي: انت عارف الإمام الشافعي نفسه قالها قبل كده "صحبة الأستاذ" دي إحدى فضائل العلم إلى جانب النباهة واليسر (المادي) والصبر إلى آخر ما قال. رحم الله الدكتور أحمد عبدالله والدكتور مستجير والدكتور عبدالعزيز حمودة وكل أستاذتنا المخلصين لعملهم وعلمهم ونفعنا به ان شاء الله.
إيف: فينك من زمان! مفتقدينك جدا! هل فقدت أنت أيضا معلما عظيما؟ ربنا يرحمه رحمة واسعة في هذا الأيام المفترجة ويرحمنا جميعا ونظل نذكرهم بالخير دائما.
أتابع أخباره دومًا منذ كنت في الاعدادية
..
كان أبي يشجعني بطريقة غير مباشرة على أساس أنني لو أردت أن اكون حقًا ذات قيمة..فذاك هو الرجل القدوة..
..
كان بحثه عن زراعة القمح بالماء المالح عن طريقة الاستفادة من ملاحظة نمو البوص في الماء المالح..واستعانة المملكة به لزراعة القمح بهذه الطريقة..
الخبر الذي كنا تناقش فيه أنا وأبي بمنتهى الحماس كما بالضبط لو اسرائيل خلاص طقت ماتت
..
يوميات رجل كسول لجيروم
وكمية الكتب الكثيرة التي ترجمها كمراجع للثقافة العلمية والاستمتاع بها ..
يوم مات
أخبرني أبي كأنما عمي من مات
..
لم أره غير مرة واحدة في معرض الكتاب
لذلك فأنت محظوظ كبير
..وأشكرك على المقال الجميل
رحمه الله رحمة واسعة.
<< Home