Tuesday, May 17, 2005

 

الحضرة التونسية

كنت - ولا أزال - مهتما بالتصوف الإسلامي (لكنني لم أفكر في اتخاذ الصوفية منهج حياة) ربما أعجبتني الحالة أو لعلني أصبت بالألم والغضب - في آن واحد - من تعرض التصوف الإسلامي للتشويه (المتعمد) أحيانا سواء من الوهابية التي لا ترى في الصوفية إلا فرقة "ضالة" من الفرق الإسلامية ولا يساويها في "الضلال" إلا الروافض! أو من اليسار بشتى ألوانه الذين يخلطون الخلط الممجوج بين التصوف بمعناه السامي وحالة الدروشة التي عرفها حسن سرور (رئيس تحرير مجلة الفنون الشعبية) لي بأنها "التعاطي الشعبي للدين". لم يسلم المتصوفة أيضا من نعتهم بأنهم سلبيون (تنويعة على صورة الدرويش/المجذوب) لا هم لهم سوى ذكر الله دون الاهتمام بالسياسة.


وتألمت كثيرا عندما قرأت على موقع الجزيرة نت قول أحمد التوني (الذي يدعي أنه شيخ المنشدين بمصر) عندما سألته كوثر البشراوي بنبرة ساخرة لا يخطؤها أحد: "طيب أنت مثلاً جاي من الصعيد أيش دخلك في السلام ونحن ندعو إلى السلام، ومصر تدعو للسلام.. والمغرب تدعو للسلام؟!!!" فرد الشيخ ببراءة تغيظ: "أصله السلام يعني..السلام مش (...) السّر بس يعني السلام عشان ناس هتقاتل بعضيها وتسكت،..يبقي ده سلام لأ.. السلام في القلوب، السلام في القلب، المؤمن.."

لكن موقف التوني "التصالحي" لن يمنعني من الاستمتاع بموسيقى الحضرات الصوفية في شريط عريض من أرض الإسلام التي تمتد من باكستان شرقا حتى المغرب غربا مرورا بإيران وسوريا والعراق واليمن ومصر والسودان وبلاد المغرب العربي وتركيا وألبانيا وكوسوفو! من فرق الإنشاد التي لها مكانة خاصة في قلبي فرقة "الحضرة التونسية" التي تمزج مزجا جميلا بين الموسيقى التونسية شديدة المحلية والموسيقى الإسلامية ولاترى الاستعانة بالموسيقى "الغربية" عيبا! أصوات المنشدين رائعة والبطانة لا تقل - في نظري - حرفنة ودرامية عن الكورال الألماني الذي استمتعت بالاستماع له في قداس لباخ أقيم بكنيسة جميع القديسين بالزمالك.. الآلات الموسيقية المستخدمة يغلب عليها استخدام آلات الإيقاع مما يجعلك لا تفقد الحس الأفريقي للحظة لكن الدف والطار يجعلك تتخيل أنك تستمع (ليتك تشاهد) مجموعة من القرطاجنيين الأفارقة في طقس إسلامي!! وتأتي كلمات الحضرة منوعة وكاشفة بما لا يدع مجالا للبس حول الطبيعة "الحقيقية" للتصوف الإسلامي فالكلمات لا تقتصر على الذكر والمديح التقليديين لكنه يتعداه ليتناول - مثلا - شخصية عيسى ابن مريم في ثوب صوفي إسلامي كما تعرض في موضع آخر للطبيعة "الثورية" للتصوف (حسب تعبير محي الدين اللاذقاني).

من الأمور التي أحببتها في "الحضرة التونسية" هي "اكتشافي" لإمكانيات لطفي بو شناق غير المحدودة! لم أكن أعرف أن هذا المغني التونسي (من نجوم الإذاعة والتلفزيون) شارك فرقة الحضرة في أكثر من أغنية أشهرها "يا عاشقين رسول الله صلوا عليه".

هذه محاولة للإدلاء بدلوي في هذا الحقل الثري والخصب دائما، فمن أسف أن تحول التصوف عند الأمريكان إلى "مخلب قط" لضرب الوهابية وغيرها من الحركات الإسلاموية تحت الحزام، وتحول دراويش مولانا جلال الدين الرومي إلى مجرد "راقصين" عيونهم محدقة بجيوب السائح الأوروبي المليئة باليورو!!!

نموذج من استهلال "الحضرة التونسية"

الله
اللهم صلي يا سيدنا محمد
الفاتح لما أغلق
والخاتم لما سبق
ناصر الحق بالحق
والهادي إلى صراطك المستقيم
وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
اللهم صلي يا سيدنا محمد
الفاتح لما أغلق
والخاتم لما سبق
ناصر الحق بالحق
والهادي إلى صراطك المستقيم
وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
اللهم صلي يا سيدنا محمد
االفاتح لما أغلق
والخاتم لما سبق
ناصر الحق بالحق
والهادي إلى صراطك المستقيم
وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
اللهم صلي يا سيدنا محمد
الفاتح لما أغلق
والخاتم لما سبق
ناصر الحق بالحق
والهادي إلى صراطك المستقيم
وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
سبحانك ربك رب العزة على ما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين

Comments:
أنا أستغرب جدّاً-عامّةً-من نفور أكثر المسلمين من الصوفيّة بينما تضعهم أديان كثيرة أخرى في مواقع الصدارة (قارن دور الرهبان ووضعهم في البوذيّة والمسيحيّة مثلاً).

أستغرب أكثر لما قلته أنت، وسمعته من كثيرين:
"، فمن أسف أن تحول التصوف عند الأمريكان إلى "مخلب قط" لضرب الوهابي"..
لا أستبعد أيّة نظريّات مؤامرة، لكنّ الأمريكان كشعب فعلاً مهووسون بالـ"روحانيّة" أيّاً كانت جنسيّتها (حتّى أنّ بعض القسوس المحافظين يهاجمون هذه النزعات بشدّة، مركّزين على خصوصيّة المسيحيّة).
حتّى يا أخي الترجمة مختلفة.
ما أجمل
Mysticism
وما أبعدها عن لفظتي:
النسك/التصوّف
 
لم أقصد الأمريكان كشعب بل كإدارة - راجع "الأجندة" الأمريكية بخصوص ما يسمى "بتجديد الخطاب الديني" لتجد من بين التوصيات تشجيع ما يعرفونه باسم "الاسلام المعتدل" (يقصدون الصوفية) - هذا بالنسبة للحكومة، أما بالنسبة للشعب الأمريكي فأنت محق فعلا - أصبح جلال الدين الرومي من أكثر الكتب مبيعا في أمريكا لأنه 1) شيخ طريقة من طرق الصوفية 2) معبر عن روح الإسلام كما يريدها الأمريكيون!
 
مقالتك يا علاء ممتعة. لعلك تكتب هنا دائما، ولا تكتفي بنشر قصائد تعجبك.

لم أجد عند شعر أي من الصوفية ما يفوق ابن الفارض وابن عربي، معظمه، ونصوص الميرغنية أبلغ مثل، مدح ساذج، لكن الموسيقى كما أشرت نوع أصيل.

استمعت على إنكارتا إلى ’حتة‘ من ذكر صوفي يهودي (يمني) وكانت كافية لإدهاشي. استطعت تمييز بعض الجمل العربية ولكن طريقة الغناء مختلفة بعض الشيئ. ينسبون ذلك الآن لإسرائيل.

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
إذا لم يكن دينه إلى ديني داني
فصار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان وديرا لرهبان
وبيتا لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
 
ربما يرجع نفور عامة المسلمين من التصوف الى حالة الجهل التي خلفتها لنا الحداثة. فالحداثة و ما واكبها من الاسلام الاصلاحي و نشأة الدولة القومية ادى الى حالة من القطيعة مع تراثنا و تاريخنا مما جعل التصوف مرادف للشعوذة و الجهل، و فتح له مكان في حيز الفولكلور فقط. ربما؟
أما عن مؤامرة الأمريكيين مع التصوف، فألا تعتقد أن الأمر أعقد من ذلك. يعني لا يمكننا أن نفسر الشعبية الواسعة للتصوف الاسلامي، و خاصة لشعر الرومي، في أمريكا على أنه مجرد مؤامرة. من الواضح أن هذا النوع من الفكر يجاوب عن بعض الأسئلة الوجودية الكبيرة التي نسألهاجميعا و التي تؤرق الذين يعيشون في المجتمعات الغربية "المتقدمة" بصفة خاصة. فلا يمكن أن تقرأ هذه الصحوة الصوفية بعيدا عن الاهتمام بالدين عامة و هوجة "العصر الجديد" المتدينة بصفة خاصة.
و لكن بغض النظر عن الأمريكيين من المؤسف حقا أن أجيالنا الجديدة لا تدرك الابعاد المختلفة للتصوف، الفلسفية و الروحية و الشعبية منها، و تنظر له بعين الشك و القرف. الكثير من الناس، لعارهم و عارنا، لا يعرفون الفرق بين الذكر و الزار مثلا. و لكن السبب يرجع الى الحداثة في رأيي، التي أخرجت التصوف من قاموسنا الثقافي، فلا نحن ندرس شعراء التصوف في المدرسة و لا فلسفة ابن عربي، و عندما تخطئ اجهزة الاعلام و تشير الى ياسين التهامي يكون ذلك في سياق فولكلور رمضان و الخيمة الثقافية. الملفت ان جموع كبيرة من المسلمين ما زالت تمارس التصوف و تحيا به، و لكنها تفعل ذلك بعيد عن العدسة القومية اذا جاز التعبير. فهذه الجماهير نفسها مهمشة من الخطاب الثقافي الرسمي الى حد بعيد، و لا أحد يهتم بثقافتها "الشعبية" لانها شعبية. لذا اشكرك على مشاركتك الحضرة التونسية لنا.
 
"اللهم صلي عليه". كنت حصلت على تسجيلات الحضرة التونسية ضمن ما حصلت عليه من كنوز موسيقية منك ومن عماد ربنا يفك جيشه. وفي ذات ليلة رمضانية قعدت أنا وأخويا والوالد نسمع في الفترة اللي قبل الفجر ولأكثر من ساعة للحضرة التونسية، ودي ليلة لا تنسى أبداً. مستوى التوزيع الموسيقي راقي جداً، والأداء مش عادي، الكورس والإيقاعات، وطبعاً سي لطفي بوشناق، الراجل ده استثناء فعلاً، في صوته طاقة وروحانية، تجلت في الحضرة دي. المؤسف واللي يصح ذكره فعلاً إن معظم التسجيلات دي بيكون وراها موسيقيين أجانب أو شركات أجنبية، لازال مستوى التسجيلات للنوع ده من الموسيقى متخلف جدا في الوطن العربي، سواء موسيقياً أو هندسياً، أشكرك على المزيكا وعلى المقال يا علاء، وباتفق مع حمكشة، زدنا يا رجل.
 
Post a Comment

<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?